فقاموا وبقيت وحدي معه، فقلت له: حضرت المجلس اليوم وسمعتك تقول: آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدقت، وطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدقت، وقلت: وظاهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا لم يكن ولا يصح أن يكون؛ لأن الظهار منكر من القول وزور، وذلك لا يجوز أن يقع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضمني إلى نفسه وقبل رأسي وقال لي: أنا تائب من ذلك جزاك الله عني من معلم خيرًا، ثم انقلبت عنه وبكرت إلى مجلسه في اليوم الثاني، فألفيته قد سبقني إلى الجامع وجلس على المنبر فلما دخلت من باب الجامع ورآني نادى بأعلى صوته "مرحبًا بمعلمي افسحوا لمعلمي" فتطاولت الأعناق إليَّ وحدقت الأبصار نحوي، وأنا لعظم الحياء لا أعرف في أي بقعة أنا من الأرض والجامع غاص بأهله، وأسال الحياء بدني عرقًا، وأقبل الشيخ على الخلق فقال لهم: أنا معلمكم، وهذا معلمي، لما كان بالأمس قلت لكم: آلى رسول الله، وطلق رسول الله، وظاهر رسول الله، فما كان أحدٌ منكم فقه عني ولا رد عليَّ فاتبعني إلى منزلي وقال لي كذا وكذا، وأنا تائب عن قولي بالأمس وراجع عنه إلى الحق، فمن سمعه ممن حضر فلا يعول عليه، ومن غاب فليبلغه من حضر، فجزاه الله خيرًا، وجهد في الدعاء والخلق يؤمنون".
فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا الدين المتين والاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملأ، ومن رجل ظهرت رياسته لغريب مجهول العين لا يُعرف من هو، ولا من أين، واقتدوا به ترشدوا.