للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمن يَرومُهُ في أحوال الدين والدنيا" (١).

وقال ابن الأثير: "لقد رأيتُ جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية، ويظن بنفسه التبحر في العلم والرواية، يحتقر التواريخ ويزدريها، ويعرض عنها ويلغيها، ظنًّا منه أن غاية فائدتها إنما هو القصصُ والأخبار، ونهايةَ معرفتها الأحاديث والأسمار، وهذه حالُ من اقتصرَ على القشر دون اللبّ نظرُه، ومن رزقه الله طبعًا سليمًا، وهداه صراطًا مستقيمًا، علم أنّ فوائدها كثيرة، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة، وها نحن نذكر شيئًا مما ظهر لنا فيها.

منها: ما يحصلُ للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها، فإنه لا يحدث أمر إلاَّ قد تقدم هو أو نظيره، فيزدادُ بذلك عقلاً، وُيصبح لأن يُقتدى به أهلًا.

ولقد أحسن القائل حيث يقول شعرًا:

رأيتُ العقلَ عقلين ... فمطبوعٌ ومسموع

فلا ينفعُ مسموع ... إذا لم يَكُ مَطبُوعُ

كما لا تَنفَعُ الشمسُ ... وضوءُ العينِ مَمنُوعُ (٢)

يعني بالمطبوع العقل الغريزي الذي خلقه الله تعالى للإنسان، وبالمسموع ما يزداد به العقل الغريزي من التجربة، وجعله عقلًا ثانيًا توسّعًا وتعظيمًا له، وإلاَّ فهو زيادة في عقله الأول.


(١) "مقدمة ابن خلدون" (١٦) و"تهذيب مقدمة ابن خلدون" (٩) للمؤلف.
(٢) وينظر الأبيات في "المفردات" (٣٤٢).

<<  <   >  >>