ثم لم يقتصر على هذا التخفيف، حتى جعل لهم أمدًا يجب الحقُّ عليهم بحلوله، ليتوسعوا في التصرف في المال، وذلك مضيُّ الحول على المال، فيبقى المال بعد أداء الحق منه، ويكون الحق بإزاء النماء الحاصل بالتصرف.
ثم جعل مال الزكاة ثلاثة أصناف: صنف منها: الذهب والفضة، وصنف: ما تنبته الأرض من أنواع النبات والأشجار، والثالث: ما يقتنى لطلب النماء فيه من الأنعام، فالذهب والفضة بهما يقع التعامل؛ وإليهما ترجع أصول الأموال كلِّها، ولم يدخل في ذلك الحديدُ والنحاسُ والصُّفرُ، وأما ما تنبته الأرض؛ فما كان قوتا تقوم به الأبدان كالبُر والشعير ونحوِها، ولا يدخل في ذلك البُقول والخضر والفواكه.
وأما الأنعام: فالإبل والبقر والغنم؛ دون الحمير والبغال والخيل، جعل جميع ذلك فيما يكثر اقتناؤها ويَعُمُّ الانتفاع بها.
فالذهب والفضة لا يجد أحدٌ منهما بدا، والأقوات يَعُمُّ الانتفاع بها، لامتِسَاس الحاجة إليها، وما يُؤْتَدَم به أو يُتَفَكَّه منحط عن هذه الدرجة في عموم الحاجة، وحاجة الناس إلى الإبل والبقر والغنم أعمُّ من حاجتهم إلى الخيل والحمير؛ التي لا تقتنى للنماء في أغلب الأحوال، وكذا الدور والعقار والثياب والمتاع والرقيق، لأن عظم المنفعة فيها: التزين والجمال؛ دون الاقتناء طلبا للأرباح،، فلا زكاة فيما هذا وصفُه، إلا أن يخرج عن أصله، فيصرف إلى الاقتناء لطلب الفضل بالتصرف فيه للتجارة، فحينئذ تجب فيه الزكاة.