للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالدين، وهذا الحديث أصل في الورع، وفيما يلزم الإنسان اجتنابه من الشبه.

وقوله (وَبَيْنَهُمَا مُشبَّهَاتٌ) (١) وفي رواية: (مُشْتَبِهَاتٌ) (٢)، فالمشبَّهات: جمع مشبَّهة، والمشتبهات جمع مشتبهة، وفي القرآن: ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ [البقرة: ٧٠] أي اشتبه فلا نقف على المراد، وفيه: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [البقرة: ٢٥]، أي: يشبه بعضه بعضا في المنظر، ويختلف في الطعم، وفيه: ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ [الزمر: ٢٣]، أي: يشبه بعضه بعضا؛ لا تناقض فيه ولا اختلاف، وفي حديث حذيفة وذكر فتنة فقال: (تُشَبِّه، مُقْبِلة، وتُبَيِّن مُدْبِرة) (٣) أي: إن الفتنة إذا أقبلت شبَّهت على القوم وأرتهم أنهم على الحق حتى يدخلوا فيها ويركبوا منها ما لا يحل، فإذا أدبرت وانقضت بان أمرها، فعلم من دخل فيها أنه كان على الحق (٤).

والمعنى: أنها تشتبه على كثير من الناس، وقد جعل الله ﷿ للأمور الشرع بيانا، ونصب عليها دليلا، غير أن من البيان ما هو خفي لا يعرفه إلا الراسخ في العلم، يدل على هذا قوله: (لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)، فالواجب على من اشتبه عليه أن يتوقف ويستبرئ الشك، فإنه إذا أقدم على الشيء قبل التبين، لم يأمن أن يقع في المحرم عليه، وذلك معنى الحمى؛ وضربه المثل به.

ففي قوله: (الْحَلَالُ بَيِّنُ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ) دليل على أن الأحكام إذا وقعت


(١) هذا يقوي رواية مسلم الحديث بهذا اللفظ، وهو ما أشار إليه ابن حجر في الفتح:١/ ١٢٧، والعيني في عمدة القاري: ١/ ٢٩٧، خلافا للنسخ الموجودة.
(٢) ذكر العيني: ١/ ٢٩٧، أن الحديث ورد بخمس روايات مُشْتَبِهَات، مُتَشَبِّهَات، مُشَبَّهَات، مُشَبِّهَات بالكسر، مُشْبِهَاتٌ، وثمة رواية سادسة عند الطبراني في الكبير برقم: ٦: مُتَشَابِهَات، ورواية سابعة عنده برقم ٦: شُبُهات، وثامنة عند البخاري بالإفراد: مُشْتَبِهة.
(٣) جامع معمر بن راشد برقم: ٢٠٧٤٠، ومستدرك الحاكم برقم: ٨٣٨٥.
(٤) هكذا في الأصل، والصواب: فعلم من دخل فيها أنه كان على غير الحق، أو نحوه.

<<  <   >  >>