للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيها الشبهة ينظر في ذلك، فإن كان لذاك الشيء أصل في التحليل أو التحريم، فإنه يتمسك به حتى يزيل الشبهة يقينُ العلم، والمثال في الحلال: الزوجة تكون للرجل، والجارية تكون عنده يتسراها ويطؤها فيشك هل طلق تلك أو أعتق هذه، فهما عنده على أصل التحليل حتى يتيقن وقوع الطلاق، أو وقوعَ عتق، وكذلك الماء يكون عنده؛ وأصله الطهارة، فيشك هل وقعت فيه نجاسة أم لا، فهو على أصل الطهارة حتى يتيقن أنه قد حلته نجاسة، ومثل هذا كثير.

وأما الشيء إذا كان أصله الحظر، وإنما يستباح بشرائط: كالفروج لا تحل إلا بعد نكاح أو ملك يمين، وكالشاة لا يحل لحمها إلا بذكاة، فإنه مهما شك في وجود تلك الشرائط؛ كان باقيا على أصل الحظر، ولو اختلطت امرأته بنساء أجنبيات، أو اختلطت مذكاة بميتات، ولم يميزها بعينها وجب عليه أن يجتنبها كلها ولا يقربها، وهذان القسمان حكمهما الوقوف واللزوم.

وهاهنا قسم ثالث: وهو أن يوجد الشيء ليس يعرف له أصل متقدم في التحليل ولا في التحريم، وقد استوى وجها الإمكان فيه حِلّا أو حرمة، فإن الورع فيما هذا سبيله: الترك والاجتناب، وهذا كما روي أن النبي مر بتمرة ملقاة في الطريق فقال: (لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأَكَلْتُهَا) (١)، وقدم إليه الضب فلم يأكله وقال: (إِنَّ أُمَّةً مُسِخَت فَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنْهَا) (٢)، ثم إن خالد بن الوليد أكله بحضرته فلم ينكره (٣)، ويدخل في هذا الباب معاملة من كان في ماله شبهة، فإن الاختيار تركها، فإذا تيقن أن عينه حرام؛ فحينئذ يجب عليه اجتنابها.


(١) متفق عليه البخاري برقم ٢٤٣١، مسلم برقم: ١٠٧١.
(٢) رواه النسائي برقم: ٤٣٢١، وابن ماجة برقم: ٣٢٤٠.
(٣) رواه البخاري برقم: ٥٣٩١، ومسلم برقم: ١٩٤٦.

<<  <   >  >>