يحدث عن مرحومٍ العطار قال: أتاني رجل فقال: يا أبا محمد إن أخي هذا أراد شراء جارية من فلان، وقد أحب أن يستعين برأيك، فقم معنا إليه، فانطلقنا إليه، فإذا رجل سَرِي، فبينا نحن عنده، قلنا: جاريتك فلانة؛ أراد هذا الرجل أن تعرضها، قال: نعم، قد حضر الغداء فتغدَّوا، وأُخْرِجها إليكم، قلنا: هات غداءك؛ فتغدينا؛ ثم قال: لا يسقيكم الماء إلا من أردتم أن تعرضوه، ادعوا فلانة، فجاءت جارية وضيئة؛ فقال لها: اسقيني، فجاءت بقدح زجاج، فصبت له فيه ماء، فوضعته على راحته، ثم رفعه إلى فيه، ثم قال: يا أبا محمد يزعم ناس أني لا أستطيع أشرب هذا، تَرى ها هنا حائلا؟ ترى ها هنا مُكرِهًا؟ ثم قال: هي حرة إن لم أشربها، فضربت القدح بردن قميصها، فوقع القَدَح وانكسر، وأُهريق الماء، فخرجت مُتَقَنِّعة مُعتَقة، فكانت بعد تدعى مولاة السنة (١).
قالا: حدثنا الإمام أبو المظفر: وقد كنا ذكرنا في ابتداء الباب؛ أن سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من قبل الكتاب والسنة؛ دون محض القياس، ومجرد المعقول، فمن عَدَل عن التوقيف في هذا الباب، ضلّ وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا وصل إلى ما يطمئن به القلب، وذلك لأن القَدَر سرٌّ من أسرار الله، وعلمٌ من علمه، ضُربت دونه الأستار، وكُفّت دونه الأزرار، اختص الله به علامُ الغيوب، وحجبه عن عقول البشر ومعارفهم، لما علمه من الحكمة، وسبيلنا أن ننتهي إلى ما حُدّ لنا منه، وألا نتجاوز إلى ما وراءه، فالبحث عنه تكلف، والاقتحام فيه تعمق وتهور.
وجماع هذا الباب أن يُعلم أن الله ﵎، طوى عن العالم علم ما قضاه وقدره
(١) أخرج القصة كذلك اللالكائي في اعتقاد أهل السنة والجماعة برقم: ١٣٤٠، وذكرها المؤلف في كتابه الحجة في بيان المحجة: ٢/ ٢٨.