الوحوش وَكَانَ يهيم حتّى يبلغ حُدُود الشَّام فَإِذا ثاب عقله سَأَلَ عَن نجد فَيُقَال: وانى نجد فيدلّونه على طَرِيق نجد فيتوجّه نَحوه.
وَكَانَ بأَهْله يأتونه بالطّعام وَالشرَاب فربّما أكل مِنْهُ. وَفِي بعض الأيّام أَتَوْهُ بالطعّام فَلم يروه فَانْطَلقُوا يفتشونه فرأوه ملقىً بَين الْأَحْجَار مَيتا فاحتملوه إِلَى الحيّ فغسّلوه ودفنوه وَكثر بكاء النِّسَاء عَلَيْهِ. وَكَانَ فِي مدّة ابْن الزّبير.
وَكَانَت ليلى تحبّه أَيْضا محبّة شَدِيدَة. حكى ابْن قُتَيْبَة قَالَ: خرج رجلٌ من بني مرّة إِلَى نَاحيَة الشَّام والحجاز مِمَّا يَلِي تيماء والسراة بِأَرْض نجد بغية لَهُ فَإِذا هُوَ بخيمة قد رفعت لَهُ عظيمةٍ وَقد أَصَابَهُ الْمَطَر فَعدل إِلَيْهَا فتنحنح فَإِذا أمرٌ كثير عَظِيم فَقَالَت: سلوا هَذَا الرّاكب من أَيْن أقبل فَقَالَ: من نَاحيَة نجد. فَقَالَت: يَا عبد الله وأيّ بِلَاد نجد وطِئت قَالَ: كلّها.
قَالَت: فِيمَن نزلت مِنْهُم قَالَ: بني عَامر.
فتنفست الصّعداء ثمَّ قَالَت: بأيّ بني عَامر قَالَ: ببني الْحَرِيش. قَالَت: فَهَل سَمِعت بِذكر فَتى مِنْهُم يُقَال لَهُ قيسٌ ويلقب بالمجنون قَالَ: إِي وَالله قد أَتَيْته فرأيته يهيم مَعَ الوجش وَلَا يعقل شَيْئا حتّى تذكر لَهُ ليلى فيبكي وينشد أشعاراً يَقُولهَا فِيهَا. فَرفعت السّتر بيني وَبَينهَا فَإِذا شقّة قمرٍ لم تَرَ عَيْني مثلهَا قطّ فَلم تزل تبْكي وتنتحب حتّى ظَنَنْت أنّ قَلبهَا قد تصدّع فَقلت: يَا أمة الله اتّقي الله فو الله مَا قلت بَأْسا فَمَكثت طَويلا على تِلْكَ الْحَال من الْبكاء والنحيب ثمَّ قَالَت: الطَّوِيل
(أَلا لَيْت شعري والخطوب كثيرةٌ ... مَتى رَحل قيسٍ مستقلٌّ فراجع)
(بنفسي من لَا يسْتَقلّ برحله ... وَمن هُوَ إِن لم يحفظ الله ضائع)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute