وَالْبَيْت أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: حسبتهم لؤلؤا منثوراً فِي ضمن حِكَايَة حَكَاهَا عَن الْمَأْمُون أَنه زفت إِلَيْهِ بوران بنت الْحسن بن سهل وَهُوَ على بساطٍ منسوج من ذهب وَقد نثرت عَلَيْهِ نسَاء دارٍ الْخلَافَة اللُّؤْلُؤ فَنظر إِلَيْهِ منثوراً على ذَلِك الْبسَاط فَاسْتحْسن النّظر إِلَيْهِ وَقَالَ: لله در أبي نواس كَأَنَّهُ أبْصر هَذَا حَيْثُ يَقُول: كَأَن صغرى وكبرى من فقاقعها ... ... ... الْبَيْت وَهُوَ من أَبْيَات أَولهَا:
(قَامَت تريني وَستر اللَّيْل منسدلٌ ... صبحاً تولد بَين المَاء وَالْعِنَب)
(كَأَن صغرى وكبرى من فقاقعها ... حَصْبَاء درٍّ على أرضٍ من الذَّهَب)
(كَأَن تركا صُفُوفا فِي جوانبها ... تَوَاتر الرَّمْي بالنشاب من كثب)
(فِي كف ساقيةٍ ناهيك ساقيةً ... فِي حسن قدٍّ وَفِي ظرفٍ وَفِي أدب)
وَبعد هَذَا سِتَّة أَبْيَات فِي وصفهَا.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة)
الطَّوِيل
وأضرب منا بِالسُّيُوفِ القوانسا على أَن القوانس مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف لَا بأضرب.
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: القوانس مَنْصُوب عندنَا بِفعل مُضْمر يدل عَلَيْهِ أضْرب أَي: ضربنا أَو نضرب القوانس. فَلَا يجوز أَن يتَنَاوَلهُ أضْرب هَذِه فِي الْبَيْت لِأَن أفعل هَذِه الَّتِي للْمُبَالَغَة تجْرِي مجْرى فعل التَّعَجُّب. وَأَنت لَا تَقول: مَا أضْرب زيدا عمرا حَتَّى تَقول لعمروٍ وَذَلِكَ لضعف هَذَا الْفِعْل وَقلة تصرفه. فَإِن تجسمت مَا أضْرب زيدا عمرا فَإِنَّمَا نصبت عمرا بِفعل آخر على مَا تقدم. انْتهى.
وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على الْمفصل: القوانس مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر كَأَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يضْربُونَ. فَقَالَ: نضرب القوانس. انْتهى.
وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: أَي الحزبين أحصى لما لَبِثُوا أمداً. على أَن أمداً مَنْصُوب بِفعل دلّ عَلَيْهِ أحصى الَّذِي هُوَ أفعل تَفْضِيل كَمَا نصب القوانس بِمَا دلّ عَلَيْهِ أضْرب.
وَقَالَ بعض من شرح أَبْيَات الْمفصل: المُرَاد بِالْبَيْتِ أضْرب منا بِالسُّيُوفِ للقوانس فَحذف اللَّام لضَرُورَة الشّعْر. فَمن لابتداء الْغَايَة مُتَعَلق بأضرب تعلق الظّرْف وبالسيوف تعلق الْآلَة وَاللَّام تعلق الْمَفْعُول بِهِ. وَهَذَا التَّقْدِير أولى من الأول لوَجْهَيْنِ: الأول أَن إِضْمَار: