(قلت واللّيل مطبق بعراه ... لَيْتَني متّ قبل ترك سعيد)
ثمَّ إنّه هجا بني زِيَاد حتّى مَلأ مِنْهُ الْبِلَاد وتغنّى بِهِ أهل الْبَصْرَة فَطَلَبه عبيد الله طلبا شَدِيدا وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة وَقيل إِلَى يزِيد إنّ ابْن مفرّغ هجا زياداً وبنيه بِمَا هتكه فِي قبه وفضح بنيه طول الدَّهْر وتعدّى ذَلِك إلأى أبي سُفْيَان فقذفه بالزّنى وسبّ وَلَده وهرب إِلَى الْبَصْرَة وطلبته حتّى لفظته الأَرْض فلجأ إِلَى الشَّام يتمضّغ لحومنا ويهتك أعراضنا وَقد بعثت إِلَيْك بِمَا هجانا بِهِ لتنتصف لما مِنْهُ.
فهرب ابْن مفرّغ من الشَّام إِلَى الْبَصْرَة فأجاره الْمُنْذر بن الْجَارُود وَكَانَت بنت الْمُنْذر تَحت عبيد الله وَكَانَ الْمُنْذر من أكْرم النّاس عَلَيْهِ فاغترّ بذلك فَبلغ عبيد الله أَن الْمُنْذر قد أجاره فَبعث عبيد الله إِلَى الْمُنْذر فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ بعث عبيد الله بالشّرط فكبسوا دَاره وأتوه بِابْن مفرّغ فَلَمَّا رَآهُ الْجَارُود قَامَ إِلَى عبيد اللع فَقَالَ لَهُ: أذكّرك الله أَيهَا الْأَمِير لَا تخفر جواري فَإِنِّي قد أجرته فَقَالَ عبيد الله: يمدحك ويمدح آباءك وَقد هجاني وهجا أبي ثمَّ تجيره عليّ وَالله لَا يكون ذَلِك أبدا فَغَضب الْمُنْذر وَخرج.
وَأَقْبل عبيد الله على ابْن مفرّغ فَقَالَ: بئْسَمَا صَحِبت بِهِ عبّاداً فَقَالَ: بئْسَمَا صحبني عباد اخترته على سعيد وأنفقت على صحبته جَمِيع مَا ملكته وظننت أنّه لَا يَخْلُو من عقل زيادٍ وحلم مُعَاوِيَة وسماحة قُرَيْش فَعدل عَن ظنّي كلّه ثمَّ عاملني بكلّ قَبِيح. من حبس وَغرم وَضرب وَشتم فَكنت كمن شام برقاً خلّباً فِي سَحَاب جهامٍ فأراق مَاء طَمَعا فَمَاتَ عطشاً وَمَا هربت من أَخِيك إلاّ لما خفت أَن يجْرِي فيّ مَا ينْدَم عَلَيْهِ وَهَا أَنا بَين يَديك فَاصْنَعْ