للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فحرام نصًا للفظ اللعن. والمكثرات أشد للمبالغة، ودل أواخرها على إباحتها للرجال نصًا، فنسخ الجواز المنع قولًا وفعلًا (١) (٢). لأن صيغة إفعل بعد الحظر للإباحة (كانتشروا (٣) [والمبينة للترك، وإن بينت عن قريب (٤) فله] لكن دلّ قوله (فإنها تذكر الموت والآخرة) (٥) على ندبها، وهو معنى قول الشافعي يستحب) (٦). وقوله عليه السلام "لا تقولوا هجرًا" (٧): محرمًا من النياحة ونحوها, ليس شرطًا ليحرم باقترانها، بل نهي عن محرم، فإن قرن أثيب (٨)


(١) القول بنسخ النهي ورد قولًا من حديث بريدة، وفعلًا من فعله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة أنه كان يأتي القبور ويزورها ويدعو لأهلها ويسلم عليهم. وسيأتي حديث أبي هريرة المشار إليه برقم ٢٣٣، وتقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - زار قبر أمه.
(٢) ذكر النووي في المجموع ٥/ ٥٦٧ تعليلًا بأن النهي كان أولًا لقرب عهدهم من الجاهلية، فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل، فلما استقرت قواعد الإِسلام وتمهدت أحكامه أبيح لهم زيارة القبور، واحتاط - صلى الله عليه وسلم - بقوله (ولا تقولوا هجرًا) فحشا من القول.
(٣) يريد قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} - سورة الجمعة- آية: ١٠ - وما أشار إليه المصنف هنا هي مسألة أصولية وهي: هل الأمر بعد التحريم يفيد الوجوب أو الندب؟ أو أنه يعود إلى ما كان عليه قبل التحريم؟ المسألة فيها خلاف وفيها مذاهب أربعة لأصحاب الأصِول وهي أنه يفيد التحريم، يفيد الإباحة، التوقف، العودة إلى ما كان عليه قبل التحريم. فإن كان مباحًا فهو مباح، وإن كان حرام فهو حرام. راجع في ذلك: العدة لأبي يعلي بن الفراء ١/ ٢٥٦ في أصول الفقه، الأحكام في أصول الأحكام للآمدي ٢/ ١٦٥، والمسودة ص ١٦ - ٢٠، والابهاج للسبكي على منهاج البيضاوي ٢/ ٤٢ - ٤٥ قد بسط القول، ومنه أخذت هذا النقل. ومذكرة أصول الفقه على روضة الناظر لابن قدامة ص ١٠٢ - ١٠٣.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط على الناسخ هنا ووضع مكانه جملة من حديث أبي هريرة الآتي برقم ٢٣٥ في آخر مبحث الجنائز الخاص بالدعاء والسلام على أهل القبور، ثم وضع علامة السقط (م م) عليه، ثم أتى بنفس هذه الجملة التي سقطت من هنا في آخر سطر من مسائل الجنائز ووضع عليها علامة (م م) مقدم بعد حديث أبي هريرة المذكور وبعد القراءة والتروي عرفت موضع كل جملة مع ما يناسبها من سياق الكلام وانتظام معناه، وكان هذا بمساعدة الشيخ المشرف الدكتور محمود أحمد ميرة -جزاه الله خيرًا-.
(٥) تقدم تخريج هذه الرواية.
(٦) حكى النووي في المجموع ٥/ ٢٦٧، وفي شرح مسلم ٧/ ٤٦ - ٤٧ الإجماع على أن زيارة القبور سنة للرجال. وانظر: الإنصاف للمرداوي ٢/ ١٦١ ما نقمه عن أحمد في زيارة القبور للرجال.
(٧) تقدم تخريج هذه الرواية ص ٣٢٤. والهجر-بالضم- هو الفحش. يقال: اهجر في منطقة إذا فحش، وهجر يهجر هجرًا -بالفتح- إذا خلط في الكلام، وإذا هذى.
انظر: النهاية لابن الأثير في غريب الحديث ٥/ ٢٤٥، والمصباح المنير ص ٦٣٤ (هجر).
(٨) أي أن قرن بين الزيارة وقول الهجر الذي هو الفحش أثيب على الزيارة وأثم في الفحش. ومراد المصنف أن قول الفحش المقترن بالزيارة لا يحرمها، وتقدم كلام النووي أن قوله (ولا تقولوا هجرًا) هو احتياط منه - صلى الله عليه وسلم - مع إباحة الزيارة.

<<  <   >  >>