قال الشيخ الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله تعالى: الحمد لله الذي هدانا لدينه، وأكرمنا بسنة نبيه، وجعلنا من العاملين بها، والمتبعين لها، والمتفقهين فيها، ونسأله أن ينفعنا بما علمنا منها، وأن يرزقنا العمل بها، والنصيحة للمسلمين فيها، وأداء الحق في إرشاد متعلميها، وإفادة طلابها ومقتبسيها، وأن يصلي أولاً وآخراً على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، سابق الأنبياء شرفاً وفضيلة، وسابقهم ديناً وشريعة، ليكون دينه قاضياً على الأديان، وملته باقية آخر الزمان، لا يستولي عليها نسخ، ولا يتعقب حكمه حكم، وليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
أما بعد: فقد فهمت مساءلتكم إخواني أكرمكم الله، وما طلبتموه من تفسير كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث، وإيضاح ما يُشكل من متون ألفاظه، وشرح ما يستغلق من معانيه، وبيان وجوه أحكامه، والدلالة على مواضع الانتزاع والاستنباط من أحاديثه، والكشف عن معاني الفقه المنطوية في ضمنها لتستفيدوا إلى ظاهر الرواية لها باطن العلم والدراية بها، وقد رأيت الذي ندبتموني له وسألتمونيه من ذلك أمراً لا يسعني تركه كما لا يسعكم جهله، ولا يجوز لي كتمانه كما لا يجوز لكم إغفاله وإهماله فقد عاد الدين غريباً كما بدأ وعاد هذا الشأن دارسة أعلامه خاوية أطلاله وأصبحت رباعه مهجورة ومسالك طرقه مجهولة.