قال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
قلت لم تختلف الأمة في أن الإفراد والقران والتمتع بالعمرة إلى الحج كلها جائزة غير أن طوائف العلماء اختلفوا في الأفضل منها، فقال مالك والشافعي الافراد أفضل. وقال أصحاب الرأي والثوري القران أفضل. وقال أحمد بن حنبل التمتع بالعمرة إلى الحج هو الأفضل. وكل من هذه الطوائف ذهب إلى حديث، وقد ذكر أبو داود تلك الأحاديث على اختلافها مجملا ومفسرا وعلى حسب ما وقع له من الرواية وسيأتي البيان على شرحها وكشف مواضع الاشكال منها في أماكنها إن شاء الله. غير أن جماعة من الجهال ونفراً من الملحدين طعنوا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أهل الرواية والنقل من أئمة الحديث وقالوا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد قيام الإسلام إلاّ حجة واحدة فكيف يجوز أن يكون في تلك الحجة مفردا وقارنا ومتمتعا وأفعال نسكها مختلفة وأحكامها غير متفقة وأسانيدها عند أهل الرواية ونقلة الأخبار جياد صحاح ثم قد وجد فيها هذا التناقض والاختلاف يريدون بذلك توهين الحديث والإزراء به وتصغير شأنه وضعف أمرحملته ورواته.
قلت لو يسروا للتوفيق وأعينوا بحسن المعرفة لم ينكروا ذلك ولم يدفعوه وقد أنعم الشافعي بيان هذا المعنى في كتاب اخنلاف الحديث وجود الكلام فيه وفي اقتصاصه على كماله والوجيز المختصر من جوامع ما قاله فيه أن معلوماً في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلى الآمر به كجواز إضافته إلى الفاعل له