وفيه دليل على أنه إذا كان أسيرا في أيديهم فأمكنه الخلاص والانقلاب منهم لم يحل له المقام معهم وإن حلفوه فحلف لهم أن لا يخرج كان الواجب أن يخرج إلاّ أنه إن كان مكرها على اليمين لم تلزمه الكفارة، وإن كان غير مكره كانت عليه الكفارة عن يمينه. وعلى الوجهين جميعا فعليه الاحتيال للخلاص، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
وقوله لا ترايا ناراهما فيه وجوه أحدها معناه لا يستوي حكماهما قاله بعض أهل العلم. وقال بعضهم معناه أن الله قد فرق بين داري الإسلام والكفر فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم حتى إذا أوقدوا ناراً كان منهم بحيث يراها.
وفيه دلالة على كراهة دخول المسلم دار الحرب للتجارة والمقام فيها أكثر من مدة أربعة أيام.
وفيه وجه ثالث ذكره بعض أهل اللغة قال معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله والعرب تقول (ما نار بعيرك أي ما سمته) ومن هذا قولهم (نارها نجارها) يريدون أن ميسمها يدل على كومها وعتقها ومنه قول الشاعر:
حتى سقوا آبالهم بالنار ... والنار قد تشفي من الأوار
يريد أنهم يعرفون الكرام منها بسماتها فيقدمونها في السقي على اللئام.
[ومن باب التولي من الزحف]
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجاض الناس جيضة فكنت فيمن جاض فلما فررنا