قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب فأسلم بمرّ الظهران، فقال له العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فلو جعلت له شيئا، فقال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
قلت فيه من الفقه أن المشرك إذا خرج من دار الكفر وأسلم وبقيت زوجته في دار الكفر لم تسلم فإن الزوجية بينهما لا تنفسخ ما اجتمعا على الإسلام قبل انقضاء العدة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ظهر على مكة بعد وأسلم أبو سفيان بمرّ الظهران وبقيت هند بمكة وهي دار كفر بعد ثم اجتمعا في الإسلام قبل انقضاء العدة فكانا على نكاحهما.
واحتج بقوله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن من زعم أن فتح مكة كان عنوة لا صلحا وأن للإمام إذا ظهر على قوم كفار أن يؤمن من شاء منهم فيمنَّ عليه ويقتل من شاء منهم وله أن يترك الأرض في أيدي أهلها لا يقسمها بين الغانمين وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك أرض مكة ودورها في أيدي أهلها ولم يقسمها.
وممن قال أنه فتحها عنوة الأوزاعي وأبو يوسف وأبو عبيد القاسم بن سلام إلاّ أن أبا عبيد زعم أنه منّ على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها فيئا، وكان هذا خاصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ليس لغيره من الأئمة أن يفعل ذلك في شيء من البلدان غيرها وذلك أنها مسجد لجماعة المسلمين وهي مناخ من سبق.