زمانهما وعامة الصحابة على تجويزه والعمل به لم يذكر عن أحد منهم فيه خلاف. فأما قولهم أنه ظن وتخمين فليس كذلك بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير كما يعلم ذلك بالمكاييل والموازين وإن كان بعضها أحصر من بعض وإنما هذا كإباحته الحكم بالاجتهاد عند عدم النص مع كونه معرضا للخطأ. وفي معناه تقويم المتعلقات من طريق الاجتهاد. وباب الحكم بالظاهر باب واسع لا ينكره عالم.
قلت: وقد ذهب بعض العلماء في تأويل قوله دعوا الثلث أو الربع إلى أنه متروك لهم من عرض المال توسعة عليهم فلو أخذوا باستيفاء الحق كله لأضر ذلك بهم. وقد يكون منها السقاطة وينتابها الطير ويخترفها الناس للأكل فترك لهم الربع توسعة عليهم وكان عمر بن الخطاب يأمر الخراص بذلك.
ويقول عمر قال أحمد وإسحاق. وذهب غير هؤلاء إلى أنه لا يترك لهم شيئا شائعا في جملة النخل بل يفرد لهم نخلات معدودة قد علم مقدار ثمرها بالخرص.
[ومن باب خرص العنب]
قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن السري الناقط حدثنا بشر بن منصور عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسِيد قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما يؤخذ صدقة النخل تمرا.
قلت إنما يخرص من الثمر ما يحيط به البصر بارزا لا يحول دونه حائل ولا يخفى موضعه في خلال ورق المثنجر والعنب في هذا المعنى كثمر النخل.
فأما سائر الثمار فإنها لا يجري فيها الخرص لأن هذا المعنى فيها معدوم.