اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم دية جنينها غرة عبد أو أمة وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم، فقال حَمَل بن النابغة الهذلي كيف أغرم دية من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع.
قال الشيخ: قوله وورثها ولدها ومن معهم يريد الدية.
وفيه بيان أن الدية موروثة كسائر مالها الذي كانت تملكه أيام حياتها.
وفيه دليل على أن الجنين يورث وتكون ديتها على سهام الميراث وذلك أن كل نفس تضمن بالدية فإنه يورث كما لو خرج حياً ثم مات.
وقوله ولا استهل، الاستهلال رفع الصوت، يريد أنه تعلم حياته بصوت نطقٍ أو بكاء أو نحو ذلك.
وقوله ذلك يطل، يروى هذا الحرف على وجهين: أحدهما بطل على معنى الفعل الماضي من البطلان والآخر يطل على مذهب الفعل الغائب من قولهم طُل دمه إذا اهدر يُطل.
وقوله صلى الله عليه وسلم هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع فإنه لم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمنه سجعه من الباطل.
وانما ضرب المثل بالكهان لأنهم كانوا يروجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين فيستميلون القلوب ويستصغون الأسماع إليها. فأما إذا وضع السجع في موضع حق فإنه ليس بمكروه وقد تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسجع في مواضع من كلامه كقوله للأنصار، إما أنكم تقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع.