قال الشيخ: فيه دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب وذلك لأنه إذا منعه أن يقضي لأحد الخصمين وهما حاضران حتى يسمع كلام الآخر فقد دل على أنه في الغائب الذي لم يحضره ولم يسمع قوله أولى بالمنع، وذلك لإمكان أن يكون معه حجة تبطل دعوى الحاضر.
وممن ذهب إلى أن الحاكم لا يقضي على غائب شريح وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة وابن أبي ليلى.
وقال مالك والشافعي يجوز القضاء على الغائب إذا تبين للحاكم أن فراره واستخفاءه إنما هو فرار من الحق ومعاندة للخصم.
واحتج لهذه الطائفة بعضهم بخبر هند، وقوله عليه السلام لها خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف؛ وقال إذا كان الخصم حاضر زمانه لا يحكم على أحدهما قبل أن يسمع من صاحبه لجواز أن يكون مع خصمه حجة يدفع بها بينته، فإذا كان الخصم غائباً لم يجز أن يترك استماع قول خصمه الحاضر إلاّ أنه يكتب في القضية أن الغائب على حقه إذا حضر وأقام بينته أو جاء بحجته وهو إذا فعل ذلك فقد استعمل معنى الخبر في استماع قول الخصم الآخر كاستماعه قول الأول. ولو ترك الحكم على الغائب لكان ذلك ذريعة إلى إبطال الحقوق.
وقد حكم أصحاب الرأي على الغائب في مواضع. منها الحكم على الميت وعلى الطفل وقال في الرجل يودع الرجل وديعة ثم يغيب فإذا ادعت امرأته النفقة وقدمت المودَع إلى الحاكم قضى لها عليه بها. وقالوا إذا ادعى للشفيع على الغائب أنه باع عقاره وسلم واستوفى الثمن فإنه يقضى له بالشفعة وكل هذا حكم على الغائب.