قال الشيخ: إنما كوى صلى الله عليه وسلم سعدا ليرقأ عن جرحه الدم وخاف عليه أن ينزف فيهلك والكي مستعمل في هذا الباب وهو من العلاج الذي تعرفه الخاصة وأكثر العامة والعرب تستعمل الكي كثيراً فيما يعرض لها من الأدواء وتقول في أمثالها آخر الدواء الكي، وقال شاعرهم في ذلك وهو مما يتمثل به
إذا كويت كية فأنضج ... تشف بها الداء ولا تُلهوج
فالكي داخل في جملة العلاج والتداوي المأذون فيه المذكور في حديث أسامة بن شريك الذي رويناه في الباب الأول.
وأما حديث عمران بن حصين في النهى عن الكي فقد يحتمل وجوهاً: أحدها أن يكون من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره ويقولون آخر الدواء الكي ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه وإذا لم يفعل ذلك عطب صاحبه وهلك فنهاهم عن ذلك إذا كان على هذا الوجه، وأباح لهم استعماله على معنى التوكل على الله سبحانه وطلب الشفاء والترجي للبرء بما يحدث الله عز وجل من صنعه فيه ويجلبه من الشفاء على أثره فيكون الكي والدواء سبباً لا علة، وهذا أمر قد تكثر فيه شكوك الناس وتخطىء فيه ظنونهم وأوهامهم فما أكثر ما تسمعهم يقولون لو أقام فلان بأرضه وبلده لم يهلك ولو شرب الدواء لم يسقم ونحو ذلك من تجريد إضافة الأمور إلى الأسباب وتعليق الحوادث بها دون تسليط القضاء عليها وتغليب المقادير فيها فتكون الأسباب أمارات لتلك الكوائن لا موجبات لها وقد بين الله جل جلاله ذلك في كتابه حيث قال {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}[النساء: ٨٧] وقال تعالى حكاية عن الكفار {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزَّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك