للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمت له ولد، ومعلوم أن الرقوب في كلام العرب هو الذى لا يعيش له ولد، وكقوله ما تعدون الصُّرَعة فيكم، قال الذي يغلب الرجال، قال بل الذي يملك نفسه عند الغضب، وكقوله من تعدون المفلس فيكم، فقالوا الذي لا مال له، فقال بل المفلس الذي يأتي يوم القيامة وقد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا فيؤخذ من حسناته لهم ويؤخذ من سيئاتهم فيلقى عليه فيطرح في النار. فكل هذا انما هو على معنى ضرب المثل وتحويله عن أمر الدنيا إلى معنى الاخرة وكذلك تسمية الخمر داء إنما هو في حق الدين وحرمة الشريعة لما يلحق شاربها من الإثم وإن لم يكن داء في البدن ولا سقماً في الجسم.

وفي الحديث بيان أنه لا يجوز التداوي بالخمر وهو قول أكثر الفقهاء، وقد أباح التداوي بها عند الضرورة بعضهم، واحتج في ذلك بإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم للعرنيين التداوي بأبوال الإبل وهي محرمة إلاّ أنها لما كانت مما يستشفى بها في بعض العلل رخص لهم في تناولها.

قلت وقد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأمرين اللذين جمعهما هذا القائل فنص على أحدهما بالحظر وهو الخمر، وعلى الآخر بالإباحة وهو بول الإبل. والجمع بين ما فرقه النص غير جائز. وأيضاً فإن الناس كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها ويشغفون بها ويبتغون لذتها، فلما حرمت صعب عليهم تركها والنزوع عنها فغلظ الأمر فيها بإيجاب العقوبة على متناوليها ليرتدعوا عنها وليكفوا عن شربها وحسم الباب في تحريمها على الوجوه كلها شرباً وتداوياً لئلا يستبيحوها بعلة التساقم والتمارض، وهذا المعنى مأمون في أبوال الإبل لانحسام الدواعي ولما على الطباع من المؤنة في تناولها ولما في النفوس من استقذارها والنكرة لها

<<  <  ج: ص:  >  >>