هذا معناه الخلق كقوله عز وجل {فقضاهن سبع سموات في يومين}[فصلت: ١٢] أي خلقهن وإذا كان الأمر كذلك فقد بقي عليهم من وراء علم الله فيهم أفعالهم واكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور وملابستهم إياها عن قصد وتعمد وتقديم ارادة واختيار، فالحجة إنما تلزمهم بها واللائمة تلحقهم عليها.
وجماع القول في هذا الباب أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس والآخر بمنزلة البناء فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه، وإنما كان موضع الحجة لآدم على موسى صلوات الله عليهما أن الله سبحانه إذ كان قد علم من آدم أنه يتناول الشجرة ويأكل منها فكيف يمكنه أن يرد علم الله فيه وأن يبطله بعد ذلك. وبيان هذا في قول الله سبحانه {واذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}[البقرة: ٣٠] فأخبر قبل كون آدم أنه إنما خلقه للأرض وأنه لا يتركه في الجنة حتى ينقله عنها اليها وإنما كان تناول الشجرة سبباً لوقوعه إلى الأرض التي خلق لها وللكون فيها خليفة ووالياً على من فيها فإنما أدلى آدم عليه السلام بالحجة على هذا المعنى ودفع لائمة موسى عن نفسه على هذا الوجه ولذلك قال: اتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني.
فإن قيل فعلى هذا يجب أن يسقط عنه اللوم أصلاً، قيل اللوم ساقط من قبل موسى إذ ليس لأحد أن يعير أحداً بذنب كان منه لأن الخلق كلهم تحت العبودية أكفاء سواء. وقد روي لا تنظروا إلى ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا إليها كأنكم عبيد، ولكن اللوم لازم لآدم من قبل الله سبحانه إذ كان قد أمره ونهاه فخرج إلى معصيته وباشر المنهي عنه، ولله الحجة البالغة سبحانه لا شريك له.