وقوله لا يهلكها بسنة عامة فإن السنة القحط والجدب، وإنما جرت الدعوة بأن لا تعمهم السنة كافة فيهلكوا عن آخرهم، فأما أن يجدب قوم ويخصب آخرون فإنه خارج عما جرت به الدعوة، وقد رأينا الجدب في كثير من البلدان وكان عام الرمادة في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووقع الغلاء بالبصرة أيام زياد ووقع ببغداد في عصرنا الغلاء فهلك خلق كثير من الجوع، إلاّ أن ذلك لم يكن على سبيل العموم والاستيعاب لكافة الأمة فلم يكن في شيء منها خلف الخبر.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن البراء بن ناجية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تدور رحى الإسلام بخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يُقم لهم سبعين عاماً، قال قلت مما بقي أومما مضى قال مما مضى.
قال الشيخ: قوله تدور رحى الإسلام دوران الرحى كناية عن الحرب والقتال شبهها بالرحى الدوارة التي تطحن الحب لما يكون فيها من تلف الأرواح وهلاك الأنفس قال الشاعر يصف حرباً:
فدارت رحانا واستدارت رحاهم ...سراة النهار ما تولى المناكب
وقال زهير:
فتعرككم عرك الرحى بثفالها ... وتلقح كشافاً ثم تنتج فتيتم
وقال صعصعة جد الفرزدق أتيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه حين رفع يده عن مرحى الجمل يريد حرب الجمل.