للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبوة كاذباً ويتركه بالمدينة يساكنه في داره ويجاوره فيها وما معنى ذلك وما وجه امتحانه إياه بما خبأه له من أنه الدخان. وقوله بعد ذلك اخس فلن تعدو قدرك.

والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفائهم وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاباً صالحهم فيه على أن لا يهاجوا وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم أو دخيلاً في جملتهم وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب فامتحنه بذلك ليزور به أمره ويخبر شأنه فلما كلمه علم أنه مبطل وأنه من جملة السحرة أو الكهنة أو ممن يأتيه رؤى من الجن أو يتعاهده شيطان فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم به فلما سمع منه قول الدخ زبره فقال اخس فلن تعدو قدرك. يريد أن ذلك شيء اطلع عليه الشيطان فألقاه إليه وأجراه على لسانه وليس ذلك من قبل الوحي السماوي إذا لم يكن له قدر الأنبياء الذين علم الغيب ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم فيصيبون بنور قلوبهم، وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها ويخطىء في بعض، وذلك معنى قوله يأتيني صادق وكاذب فقال له عند ذلك قد خلط عليك، والجملة أنه كان فتنة قد امتحن الله به عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيى على بينة، وقد امتحن قوم موسى عليه السلام في زمانه بالعجل فافتتن به قوم وهلكوا ونجا من هداه الله وعصمه منهم.

وقد اختلفت الروايات في أمره وما كان من شأنه بعد كبره فروي أنه قد تاب عن ذلك القول ثم أنه مات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس وقيل لهم اشهدوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>