ابن عباس في ذلك الزمان في سن من يعقل الأمور ويعرف حقائقها ولا يبعد أن يكون قد أخذ هذا الكلام عن عائشة فإنه قد يفعل ذلك كثيرا في حديثه وإذا فتشت عن أكثر ما يرويه كان ذلك سماعا عن الصحابة وإذا كان كذلك فإن عائشة نفسها قد ثبت عنها أنها كانت تتم في السفر وتصلي أربعاً أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها كانت تصوم في السفر وكانت تتم وتصلي أربعا.
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فكان أكثر مذاهب علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب في السفر وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة، وقال حماد بن أبي سليمان يعيد من صلى في السفر أربعا، وقال مالك بن أنس يعيد ما دام في الوقت وقال أحمد بن حنبل السنة ركعتان، وقال مرة أنا أحب العافية من هذه المسألة. وقال أصحاب الرأي إن لم يقعد المسافر في التشهد في الركعتين فصلاته فاسدة لأن فرضه ركعتان فما زاد عليهما كان تطوعا فإن لم يفصل بينهما بالقعود بطلت صلاته.
وقال الشافعي هو بالخيار إن شاء أتم وإن شاء قصر، وإليه ذهب أبو ثور. وقد روي الإتمام في السفر عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وقد أتمها ابن مسعود مع عثمان بمنى وهو مسافر واحتج الشافعي في ذلك بأن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم صلى أربعا ولو كان فرضه القصر لم يكن يأتم مسافر بمقيم.
وأما قول أصحاب الرأي أن الركعتين الأخريين تطوع فإنهم يوجبونها على المأموم والتطوع لا يجبر عليه أحد فدل على أن ذلك من صلب صلاته.