الفقر فلما انتزعت منه ولم يترك له سبد صار فقيرا لا شيء له، قال والمسكين أحسن حالا من الفقير، واحتج بقول الله تعالى {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر}[الكهف: ٧٩] فأثبت لهم مع المسكنة ملكاَ وكسبا وهما السفينة والعمل بها في البحر. وقال بعض من ينصر القول الأول إنما سماهم مساكين مجازا وعلى سبيل الترحم والشفقة عليهم إذ كانوا مظلومين، وقيل إن المسكنة مشتقة من السكون والخشوع اللازمين لأهل الحاجة والخصاصة والميم زيادة في الاسم. وقيل إن الفقير مشبه بمن أصيب فِقاره فانقصف ظهره من قولهم فقرت الرجل إذا أصبت فقاره كما يقال بطنته إذا أصبت بطنه ورأسته إذا أصبت رأسه إلى ما أشبه ذلك من نظائر هذا الباب. ويشبه أن يكون الفقير أشدهما حاجة ولذلك بدىء بذكره في الآية على سائر أصناف أهل الفاقة والخلة والفقر هو الذي يقابل الغنى إذا قيل فقير وغني فصار أصلا للفاقة وعنه يتفرع المسكنة وغيرها من وجوه الحاجة.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار. قال أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فينا النظر وخفضه فرآنا جَلدين فقال إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.
قلت هذا الحديث أصل في أن من لم يعلم له مال فأمره محمول على العدم.
وفيه أنه لم يعتبر في منع الزكاة ظاهر القوة والجلد دون أن يضم إليه الكسب فقد يكون من الناس من يرجع إلى قتوة بدنه ويكون مع ذلك أخرق اليد لا يعتمل فمن كان هذا سبيله لم يمنع من الصدقة بدلالة الحديث. وقد استظهر