قلت أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا خلاف بين المسلمين أن الصدقة لا تحل له وكذلك بنو هاشم في قول أكثر العلماء.
وقال الشافعي لا تحل الصدقة لبني المطلب لأن النبي صلى الله عليه وسلم من سهم ذي القربى وأشركهم فيه مع بني هاشم ولم يعط أحداً من قبائل قريش غيرهم وتلك العطية عوض عوضوه بدلاً عما حرموه من الصدقة.
فأما موالي بني هاشم فإنه لا حظ لهم في سهم ذي القربى فلا يجوز أن يحرموا الصدقة ويشبه أن يكون إنما نهاه عن ذلك تنزيهاً له. وقال مولى القوم من أنفسهم على سبيل التشبيه في الاستنان بهم والاقتداء بسيرتهم في اجتناب مال الصدقة التي هى أوساخ الناس. ويشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم قد كان يكفيه المؤنة ويزيح له العلة إذ كان أبو رافع مولى له وكان يتصرف له في الحاجة والخدمة فقال له على هذا المعنى إذا كنت تستغني بما أعطيت فلا تطلب أوساخ الناس فإنك مولانا ومنا.
قلت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة لنفسه وكان المعنى في ذلك أن الهدية إنما يراد بها ثواب الدنيا فكان صلى الله عليه وسلم يقبلها ويثيب عليها فتزول المنة عنه. والصدقة يراد بها ثواب الآخرة فلم يجز أن يكون يد أعلى من يده في ذات الله وفي أمر الآخرة.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم المعنى قالا: حَدَّثنا حماد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالتمرة العائره فما يمنعه من أخذها إلاّ مخافة أن تكون صدقة.