وقوله في ضالة الغنم هي لك أولأخيك أو للذئب فيه دليل على أنه إنما جعل هذا حكمها إذا وجدت بأرض فلا يخاف عليها الذئاب فيها. فأما إذا وجدت في قرية وبين ظهراني عمارة فسبيلها سبيل اللقطة في التعريف إذ كان معلوماً إن الذئاب لا تأوي إلى الأمصار والقرى.
وأما ضالة الإبل فإنه لم يجعل لواجدها أن يتعرض لها لأنها قد ترد الماء وترعى الشجر وتعيش بلا راع وتمتنع على أكثر السباع فيجب أن يخلي سبيلها حتى يأتي ربها، وفي معنى الإبل الخيل والبغال والظباء وما أشبهها من كبار الدواب التي تمعن في الأرض وتذهب فيها.
وقوله في الإبل معها حذاؤها وسقاؤها فإنه يريد بالحذاء اخفافها يقول إنها تقوى على السير وقطع البلاد وأراد بالسقاء أنها تقوى على ورود المياه فتحمل ريها في أكراشها.
قلت فإن كانت الإبل مهازيل لا تنبعث فإنها بمنزلة الغنم التي قيل فيها هي لك أو لأخيك أو للذئب.
وفى قوله ثم استنفق بها وقوله هي لك أو لأخيك دليل على أنه لا ينقض عليه البيع فيها إذا كان قد باعها ولكن يغرم القيمة لأنه أذن له في أن يستنفقها فقد أذن له فيما يتوصل به إلى الاستنفاق بها من بيع ونحوه.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن رافع وهارون بن عبد الله المعنى قالا: حَدَّثنا ابن أبي فديك عن الضحاك، يَعني ابن عثمان عن بُسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال عرفها سنة فإن جاء باغيها فأدها إليه وإلا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء باغيها فأدها إليه.
قلت قوله ثم كلها يصرح بإباحتها له بشرط أن يؤدي ثمنها إذا جاء صاحبها فدل أنه لا وجه لكراهة الاستمتاع بها. وقال مالك بن أنس إذا أكل الشاة التي وجدها بأرض الفلاة ثم جاء صاحبها لم يغرمها وقال لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها له ملكاً بقوله هي لك أو لأخيك، وكذلك قال داود والحديث حجة عليهما وهو قوله بعد إباحة الأكل فإن جاء باغيها فأدها