غير مستبين للحكم فيه علم أن أخفاهما أولاهما بالبيان ونظير هذا قوله للرجل الذي أساء الصلاة بحضرته فقال له صل فإنك لم تصل فأعادها ثلاثا كل ذلك يأمره بإعادة الصلاة إلى أن سأله الرجل أن يعلمه الصلاة فابتدأ فعلمه الطهارة ثم علمه الصلاة وذلك والله أعلم لأن الصلاة شيء ظاهر تشتهره الأبصار، والطهارة أمر يستخلي به الناس في ستر وخفاء فلما رآه صلى الله عليه وسلم جاهلا بالصلاة حمل أمره على الجهل بأمر الطهارة فعلمه إياها.
وفيه وجه آخر وهوأنه لما أعلمهم بطهارة ماء البحر وقد علم أن في البحر حيوانا قد يموت فيه والميتة نجس احتاج إلى أن يعلمهم أن حكم هذا النوع من الميتة حلال بخلاف سائر الميتات لئلا يتوهموا أن ماءه ينجس بحلولها إياه.
وفيه دليل على أن السمك الطافي حلال وأنه لا فرق بين ما كان موته في الماء وبين ما كان موته خارج الماء من حيوانه.
وفيه مستدل لمن ذهب إلى أن حكم جميع أنواع الحيوان التي تسكن البحر إذا ماتت فيه الطهارة، وذلك بقضية العموم إذا لم يستثن نوعا منها دون نوع.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ما كان له في البر مثل ونظير مما لا يؤكل لحمه كالإنسان المائي والكلب والخنزير فإنه محرم، وما له مثل في البر يؤكل فإنه مأ كول.
وذهب آخرون إلى أن هذا الحيوان وإن اختلف صورها فإنها كلها سموك، والجريث يقال له حية الماء وشكله شكل الحيات ثم أكله جائز فعلم أن اختلافها في الصور لا يوجب اختلافها في حكم الإباحة، وقد استثنى هؤلاء من جملتها الضفدع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع.