الحديث وتتبع علمه وإذا تأمله صاحب الحديث رغبه في الفقه وتعلمه والله الموفق له وإليه أرغب في أن يجعل ذلك لوجهه وأن يعصمني من الزلل فيه برحمته.
واعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله وقد رزق القبول من الناس كافة فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم فلكل فيه ورد ومنه شرب وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب، وكثير من مدن أقطار الأرض. فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد إلاّ أن كتاب أبي داود أحسن رصفا وأكثر فقها وكتاب أبي عيسى أيضاً كتاب حسن والله يغفر لجماعتهم ويحسن على جميل النية فيما سعوا له مثوبتهم برحمته.
ثم اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام حديث صحيح وحديث حسن وحديث سقيم. فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته والحسن منه ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين من الحديث فأما السقيم منه فعلى طبقات شرها الموضوع ثم المقلوب أعني ما قلب إسناده ثم المجهول وكتاب أبي داود خلي منها بريء من جملة وجوهها فإن وقع فيه شيء من بعض أقسامها لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره فإنه لا يألو أن يبين أمره ويذكر علته ويخرج من عهدته.
وحكي لنا، عَن أبي داود أنه قال ما ذكرت في كتابي حديثا اجتمع الناس على تركه.