وإنما أحلت لي ساعة من النهار يستدل بهما من يذهب إلى أن مكة فتحت عنوة لا صلحا. وتأول غيرهم قوله وإنما أحلت لي ساعة من النهار على معنى دخوله إياها من غير إحرام لأنه دخلها وعليه عمامة سوداء.
وقيل إنما أحلت له في تلك الساعة إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر وسائر ما حرم على الناس منه.
وقد سأل بعض الملحدين عن هذا فقال لم كان حبس الفيل في زمان الجاهلية عنها ومنعه منها ومن الإفساد والإلحاد فيها ولم يمنع الحجاج بن يوسف في زمان الإسلام عنها وقد نصب المنجنيق على الكعبة وأضرمها بالنار وسفك فيها الدم الحرام وقتل عبد الله بن الزبير وأصحابه في المسجد وكيف لم يحبس عنها القرامطة وقد سلبوا الكعبة ونزعوا حليتها وقلعوا الحجر وقتلوا العالم من الحاج وخيار المسلمين بحضرة الكعبة. فأجاب عن مسألته بعض العلماء بأن حبس الفيل عنها في الجاهلية كان علما لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنويها بذكر آبائه إذ كانوا عمار البيت وسكان الوادي فكان ذلك الصنيع ارهاصاً للنبوة وحجة عليهم في إثباتها فلو لم يقع الحبس عنها والذب عن حريمها لكان في ذلك أمران أحدهما فناء أهل الحرم وهم الآباء والأسلاف لعامة المسلمين ولكافة من قام به الدين، والآخر أن الله سبحانه أراد أن يقيم به الحجة عليهم في إثبات نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجعله مقدمة لكونها وظهورها فيهم فكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عامئذ وكانوا قوماً عرباً أهل جاهلية ليست لهم بصيرة في العلم ولا تقدمة في الحكمة وإنما كانوا يعرفون من الأمور ما كان دركه من جهة الحس والمشاهدة فلو لم يجر الأمر في ذلك على الوجه الذي جرى لم يكن يبقى في أيديهم شيء من دلائل النبوة تقوم به الحجة عليهم في ذلك الزمان