وقال الحسن البصري يجوز أن يقاتلوا قبل أن يدعوا قد بلغتهم الدعوة. وكذلك قال الثوري وأصحاب الرأى، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. واحتج الشافعي في ذلك بقتل ابن الحقيق.
فأما من لم تبلغه الدعوة ممن بعدت داره ونأى محله فإنه لا يقاتل حتى يدعى فإن قتل منهم أحد قبل الدعوة وجبت فيه الكفارة والدية وفي وجوب الدية اختلاف بين أهل العلم.
وأما قوله فأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين فإن المهاجرين كانوا أقواماً من قبائل مختلفة تركوا أوطانهم وهجروها في الله واختاروا المدينة داراً ووطناً ولم يكن لهم أو لأكثرهم بها زرع ولا ضرع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليهم مما أفاء الله عليه أيام حياته ولم يكن للأعراب وسكان البدو في ذلك حظ إلاّ من قاتل منهم فإن شهد الوقعة أخذ سهمه وانصرف إلى أهله فكان فيهم.
وقوله وعليهم ما على المهاجرين أي من الجهاد والنفير أي وقت دعوا إليه لا يتخلفون. والأعراب من أجاب منهم وقاتل أخذ سهمه ومن لم يخرج في البعث فلا شيء له من الفيء ولا عتب عليه ما دام في أهل الجهاد كفاية.
وقوله إن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فظاهره يوجب قبول الجزية من كل مشرك كتابي أو غير كتابي من عبدة الشمس والنيران والأوثان إذا أذعنوا لها وأعطوها، وإلى هذا ذهب الأوزاعي. ومذهب مالك قريب منه. وحكي عنه أنه قال تقبل من كل مشرك إلاّ المرتد، وقال الشافعي لا تقبل الجزية إلاّ من أهل الكتاب وسواء كانوا عرباً أو عجما وتقبل من المجوس ولا تقبل من مشرك غيرهم.