من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا حاطب فقال يا رسول الله لا تعجل عليَّ فإني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها وإن قريشا لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك أن اتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي والله ما كان بي كفر ولا ارتداد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقكم فقال عمر رضي الله عنه دعني اضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
قلت في هذا الحديث من الفقه إن حكم المتأول في استباحة المحظور عليه خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل.
وفيه أنه إذا تعاطى شيئا من المحظور وادعى أمراً مما يحتمله التأويل كان القول قوله في ذلك وإن كان غالب الظن بخلافه، ألا ترى أن الأمر لما احتمل وأمكن أن يكون كما قال حاطب وأمكن أن يكون كما قاله عمر رضي الله عنه استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الظن في أمره وقبل ما ادعاه في قوله.
وفيه دليل على أن الجاسوس إذا كان مسلما لم يقتل.
واختلفوا فيما يفعل به من العقوبة فقال أصحاب الرأي في المسلم إذا كتب إلى العدو ودله على عورات المسلمين يوجع عقوبة ويطال حبسه.
وقال الأوزاعي إن كان مسلما عاقبه الإمام عقوبة منكلة وغربه إلى بعض الآفاق في وثاق وإن كان ذميا فقد نقض عهده.
وقال مالك لم أسمع فيه شيئا وأرى فيه اجتهاد الإمام. وقال الشافعي إذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان من حاطب بجهالة وكان غير متهم