قوله يفري بالمسلمين معناه شدة النكاية فيهم، يقال فلان يفري الفري إذا كان يبالغ في الأمر، وأصل الفري القطع. وقوله لأعرفنكها يريد لأجازينك بها حتى تعرف صنيعك، قال الفراء العرب تقول للرجل إذا أساء إليه رجل لأعرفن لك عن هذا أي لأجازينك عليه، تقول هذا لمن تتوعده قد علمت ما علمت وعرفت ما صنعت، ومعناه سأجازيك عليه لا أنك تقصد إلى أن تعرفه أنك قد علمت فقط، ومنه قول الله عز وجل {عرف بعضه واعرض عن بعض}[التحريم: ٣] قراءة الكسائي بالتخفيف. وقد روي ذلك أيضاً عن عاصم في إحدى الروايتين، قال ومعنى عرف جازى قال ومثله قوله {وما تفعلوا من خير يعلمه الله}[البقرة: ١٩٧] وتأويله يعلمه الله فيجازي عليه.
وفي الحديث من الفقه أن الفرس من السلب؛ وأن السلب ما كان قليلا أو كثيرا فإنه للقاتل لا يخمس، ألا ترى أنه أمر خالدا برده عليه مع استكثاره إياه، وإنما كان رده إلى خالد بعد الأمر الأول بإعطائه القاتل نوعا من التكبر على معروف وردعاً له وزجرا لئلا يتجرأ الناس على الأئمة ولئلا يتسرعوا إلى الوقيعة فيهم، وكان خالد مجتهداً في صنيعه ذلك إذ كان قد استكثر السلب فأمضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتهاده لما رأى في ذلك من المصلحة العامة بعد أن كان خطأه في رأيه الأول والأمر الخاص مغمور بالعام واليسير من الضرر محتمل للكثير من النفع والصلاح، ويشبه أن يكون النبي قد عوض المددي من الخمس الذي هوله وترضى خالدا بالنصح عنه وتسليم الحكم له في السلب.
وفيه دليل على أن نسخ الشيء قبل الفعل جائز، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بإمساكه قبل أن يرده فكان في ذاك نسخ لحكمه الأول.