قوله حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم بالعمرة فيه بيان أن ذا الحليفة ميقات أهل المدينة لمن أراد أن يحج أو يعتمر، وفيه بيان أن تقليد الهدي سنة سواء كان عن واجب أو عن نفل. وفيه أن الإشعار سنة وأنه ليس من باب ما نهي عنه من المثلة وقد تكلمنا في هذا في كتاب المناسك.
وقوله وبعث بين يديه عينا له من خزاعة فيه استحباب تقديم الطلائع وبعث العيون بين يدي الجيوش والأخذ بالحزم والاحتياط في أمرالعدو لئلا ينالوا فرصة فيهجموا على المسلمين في حال غرة وأوان غفلة. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الخزاعي وبعثه عينا ثم صدقه في قوله وقبل خبره وهو كافر وذلك لأن خزاعة كانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنهم وكافرهم احلف كانت بينهم في الجاهلية ولعله أيضاً لم يجد من المسلمين من ينوب عنه في تعرف الخبروالتجسس والبحث عن أمر العدو. ثم أن ذلك أمر لا يكاد يتحققه إلا من لابس العدو وداخلهم واستبطن سرهم وهذا المعنى متعذر وجوده غالباً في المسلمين.
وفيه دليل على جواز قبول قول المتطبب الكافر فيما يخبر به عن صفة العلة ووجه العلاج إذا كان غير متهم فيما يصفه وكان غير مظنون به الريبة في ذلك.
وقوله وجمعوا لك الأحابيش فإن الأحابيش يقال إنهم أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشاً والتحبش التجمع.
وفي قوله لأصحابه اشيروا عليّ دليل على استحباب استشارة ذوي الرأي والنصح في الأمور المهمة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يستعملها كثيراً فيما لم ينزل عليه فيه وحي. وقد يحتمل أن يكون ذلك ليستن به من بعده في حوادث الأمر فينالوا بركتها وينكشف لهم وجه الرأي الملتبس فيها.