وقوله إني أرى وجوها وأوشاباً من الناس فإن الأوشاب الأخلاط من الناس يقال هم أوشاب وإشابات إذا كانوا من قبائل شتى مختلفين؛ وفي قول أبي بكر رضي الله عنه حين ذكر اللات وسبها ما يدل على أن التصريح باسم الأعضاء التي هي عورات وذكرها عند الحاجة إليه ليس من الفحش ولا قائله خارج عن حد العدالة والمروءة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعز بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا.
وأما مس عروة بن مسعود لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء مخاطبته وتناوله إياها بيده فإن ذلك شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتهم يفعل الرجل ذلك بصاحبه إذا حدثه ويجري ذلك مجرى الملاطفة من بعضهم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يدفعه عن ذلك استمالة لقلبه ولما كان يرجوه من إسلامه ثم هداه الله بعد فحسن إسلامه وكان رئيسا في ثقيف وكان المغيرة بن شعبة يمنعه من ذلك الفعل تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيراً له وإجلالا لقدره. وإنما يفعل الرجل ذلك لنظيره وخليطه المساوي له في الدرجة والمنزلة.
قال أبو سليمان وفي قيام المغيرة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه في مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن الذي نهى عنه وتوعد فيه من قوله صلى الله عليه وسلم من أراد أن يَمْثُل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار. إنما هو فيمن فعل ذلك قاصداً به الكبر وذاهبا فيه مذاهب النخوة والجبرية.
وقوله أي غدر فهو نعت ينعت الرجل به عند المبالغة في الغدر.