للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جاءه منهم مسلما دليل على جواز أن يقر الإمام فيما يصالح عليه العدو ببعض ما فيه الضيم على أهل الدين إذا كان يرجو لذلك فيما يستقبله عاقبة حميدة سيما إذا وافق ذلك زمان ضعف المسلمين عن مقاومة الكفار وخوفهم الغلبة منهم.

وقد تكلم العلماء في هذا الباب وتأولوا ما كان من رده أبا جندل بن سهيل إليهم على وجهين أحدهما أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك على نفسه ورخص له أن يتكلم بالكفر مع التورية وإضمار الإيمان في رده إليهم إسلاماً له للهلاك مع وجوده السبيل إلى الخلاص منه بما رخص له فيه من التقية.

والوجه الآخر أنه إنما رده إلى أبيه ومعلوم أن أباه لا يقتله ولكن يستبقيه وينتظر به الرُجعي وفي ذلك أمان له وصلاح لعامة المسلمين ودرك لما راموه في عقد الصلح وقصدوه من البغية فيه وكذلك الأمر في رد أبي بصير إليهم وذلك أنه كان يأوي إلى عشيرة يذبون عنه وموالي يحامون عليه، فأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان يبتلي الله به صبر عباده ليثيب المجتهدين ويمحص بذلك ما في صدور المسلمين وهو أعلم بالسرائر ولله عاقبة الأمور.

وفي مراجعة عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاجته إياه في رده أبا جندل بن سهيل وقد جاء مسلما وتعجبه من ذلك الصنيع وضيق صدره بما خفي عليه من حكمته ولم يدركه من علم مغيبه وفيما كان من جواب أبي بكر إياه وخروج قوله في ذلك مطابقا لجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل واضح على أن أبا بكر أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بمعاني أموره وأشدهم اطلاعاً على ما في نفسه وإنما كانت تلك المحاجة والمساءلة من عمر على وجه الكشف عن الشبهة وعلى سبيل الاستبانة لوجه الحكمة فيما شاهده من ذلك الصنيع ولم يكن ذلك منه

<<  <  ج: ص:  >  >>