رجلا من الأزد يقال له ابن المُتبية على الصدقة فجاء فقال هذا لكم وهذا لي فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا، لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلاّ جاء به يوم القيامة إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة فلها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت.
قلت في هذا بيان أن هدايا العمال سحت وأنه ليس سبيلها سبيل سائر الهدايا المباحة وإنما يهدى إليه المحاباة وليخفف عن المهدي ويسوغ له بعض الواجب عليه وهو خيانة منه وبخس للحق الواجب عليه استيفاؤه لأهله.
وفي قوله الا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا دليل على أن كل أمر يتذرع به إلى محظور فهو محظور ويدخل في ذلك القرض يجر المنفعة، والدار المرهونه يسكنها المرتهن بلا كراء، والدابة المرهونه يركبها ويرتفق بها من غير عوض. وفي معناه من باع درهما ورغيفا بدرهمين لأن معلوماً أنه إنما جعل الرغيف ذريعة إلى أن يربح فضل الدرهم الزائد، وكذلك كل تلجئة وكل دخيل في العقود يجري مجرى ما ذكرناه على معنى قول هلا قعد في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا فينظر في الشيء وقرينه إذا أفرد أحدهما عن الآخر وفرق بين قِرانها هل يكون حكمه عند الانفراد كحكمه عند الاقتران أم لا والله أعلم.