النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا القول تعديل الموازين والأرطال والمكاييل وجعل عيارها أوزان أهل مكة ومكاييل أهل المدينة ليكون عند التنازع حكما بين الناس يحملون عليها إذا تداعوا، فادعى بعضهم وزناً أوفى أو مكيالا أكبر وادعى الخصم أن الذي يلزمه هو الأصغر منها دون الأكبر، وهذا تأويل فاسد خارج عما عليه أقاويل أكثر الفقهاء وذلك أن من أقر لرجل مكيلة بُر أو بعشرة أرطال من تمر أو غيره واختلفا في قدر المكيلة والرطل فأنهما يحملان على مجرف البلد وعادة الناس في المكان الذي هو به ولا يكلف أن يعطي برطل مكة ولا بمكيال المدينة، وكذلك إذا أسلفه في عشرة مكاييل قمح أو شعير وليس هناك إلاّ مكيلة واحدة معروفة فإنهما يحملان عليها فإن كان هناك مكاييل مختلفة فأسلفه في عشرة مكاييل ولم يصف الكيل بصفة يتميز بها عن غيره فالسلم فاسد وعليه رد الثمن. وإنما جاء الحديث في نوع ما يتعلق به أحكام الشريعة في حقوق الله سبحانه دون ما يتعامل به الناس في بياعاتهم وأمور معاشهم.
فقوله الوزن وزن أهل مكة يريد وزن الذهب والفضة خصوصا دون سائر الأوزان ومعناه أن الوزن الذي يتعلق به حق الزكاة في النقود وزن أهل مكة وهي دراهم الإسلام المعدلة منها العشرة بسبعة مثاقيل فإذا ملك رجل منها مائتي درهم وججبت فيها الزكاة، وذلك أن الدراهم مختلفة الأوزان في بعض البلدان والأماكن فمنها البغلي ومنها الطبري ومنها الخوارزمي وأنواع غيرها، والبغلي ثمانية دوانيق والطبري أربعة دوانيق والدرهم الوزان الذي هو من دراهم الإسلام الجائزة بينهم في عامة البلدان ستة دوانيق وهو نقد أهل مكة ووزنهم الجائز بينهم، وكان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عددا وقت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم