فأما ما ذهب إليه أبو حنيفة فإنه يخرج على القياس لأنه يجعل الذهب بالذهب سواء ويجعل ما فضل عن الثمن بازاء السلعة، غير أن السنة قد منعت هذا القياس أن يجري؛ ألا تراه يقول إنما أردت الحجارة أو التجارة فقال لا حتى تميز بينهما فنفى صحة هذا البيع مع قصده إلى أن يكون الذهب الذي هو الثمن بعضه بإزاء الذهب الذي هو مع الخرز مصارفة وبعضه بإزاء الحجارة التي هي الخرز بيعا وتجارة حتى يميز بينهما فتكون حصة المصارفة متميزة بينهما فتكون حصة المصارفة متميزة عن حصة المتاجر فدل على أن هذا البيع على الوجهين فاسد.
وبيان فساد هذا البيع من جهة المعنى على وجوه: أحدهما أنه عقد تضمن بيعاً وصرفاً ومتى جهل التماثل في الذهب بالذهب وقت العقد بطل الصرف ولا سبيل إلى معرفة التماثل إلاّ بعد التمييز والتفضيل فتكون التسوية حينئذ بينهما بالوزن فروى أصحاب أبي حنيفة عنه أنه قال إذا باع صبرة من الطعام بصبرة من جنسه جزافاً لم يجز وإن خرجا عند الكيل متساويين وفي هذا اعتبار التماثل حال العقد وهو نظير مسألة الصرف.
والوجه الثاني أن الصفقة إذا تضمنت شيئين مختلفين في الجنس كان الثمن مفضوضا عليهما بالقيمة، وإذا كان كذلك وأردنا أن نسقط الثمن عليها بالقيمة وأسقطنا قيمة الخرز من جملة الثمن لم ندر كم مقدار ما يبقى منه وهل يكون مثل الذهب المشترى مع الخرز أو أقل منه أو أكثر فبطل العقد للجهالة.
والوجه الثالث أن أحكام عقد الصرف لا تلائم أحكام سائر العقود لأن من شرطه التقابض قبل التفرق وانقطاع شرط الخيار وسائر العقود تصح من غير تقابض ويدخلها شرط الخيار فلم نجز الجمع بينهما في صفقة واحدة لتنافي معانيهما