ومن هذا الباب قول الله تعالى {وقد خاب من دساها}[الشمس: ١٠] أي أخملها بمنع الخير وأصله من دستها، ومثل هذا في الكلام كثير.
وقد اختلف الناس في حكم المصراة فذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه يردها ويرد معها صاعا من تمر قولا بظاهر الحديث، وهو قول مالك والشافعي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وأبي ثور، وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف برد قيمة اللبن، وقال أبو حنيفة إذا حلب الشاة فليس له أن يردها ولكن يرجع على البائع بأرشها ويمسكها.
واحتج من ذهب إلى هذا القول بأنه خبر مخالف للأصول لأن فيه تقويم المتلف بغير النقود، وفيه إبطال رد المثل فيما له مثل، وفيه تقويم القليل والكثيرمن اللبن بقيمة واحدة وبمقدار واحد واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان.
قال الشيخ والأصل أن الحديث إذا ثبت عن رسول الله وجب القول به وصار أصلاً في نفسه وعلينا قبول الشريعة المبهمة كما علينا قبول الشريعة المفسرة والأصول إنما صارت أصولاً لمجيء الشريعة بها. وخبر المصراة قد جاء به الشرع من طرق جياد أشهرها هذا الطريق، فالقول فيه واجب وليس تركه لسائر الأصول بأولى من تركها له على أن تقويم المتلف بغير النقد موجود في بعض الأصول منها الدية في النفس مائة من الإبل، ومنها الغرة في الجنين. وقد جاء أيضاً تقويم القليل والكثير بالقيمة الواحدة كأرش الموضحة فإنها ربما أخذت أكثر من مساحة الرأس فيكون فيها خمس من الإبل وربما كانت قدر الأنملة فيجب الخمس من الإبل سواء.