أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} [النازعات: ٤٣] وعاب مسألة بني إسرائيل في قصة البقرة لما كان على سبيل التكلف لما لا حاجة بهم إليه، وقد كانت الغنية وقعت بالبيان المتقدم فيها وكل ما كان من المسائل على هذا الوجه فهو مكروه، فإذا وقع السكوت عن جوابه فإنما هو زجر وردع للسائل؛ وإذا وقع الجواب فهو عقوبة وتغليظ.
وفي قوله هي طالق ثلاثا دليل على أن إيقاع التطليقات الثلاث مباح ولو كان محرماً لأشبه أن يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في ذلك ويبين بطلانه لمن بحضرته لأنه لا يجوز عليه أن يجري بحضرته باطل فلا ينكره ولا يرده.
وقد يحتج به من يرى أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان حتى يفرق بينهما الحكام وذلك أن الفرقة لوكانت واقعة بينهما لم يكن للتطليقات الثلاث معنى.
وقد يحتج بذلك أيضاً من يرى الفرقة بنفس اللعان على وجه آخر وذلك أن الفرقة لو لم تكن واقعة باللعان لكانت المرأة في حكم المطلقات ثلاثاً.
وقد أجمعوا على أنها ليست في حكم المطلقات ثلاثاً تحل له بعد زوج فدل على أن الفرقة واقعة قبل، ويشبه أن يكون إنما دعاه إلى هذا القول أنه لما قيل له لا سبيل لك عليها وجد من ذلك في نفسه فقال كذبت عليها إن أمسكتها هي طالق ثلاثاً يريد بذلك تحقيق ما مضى من الفرقة وتوكيده.
وقوله فكانت سنة المتلاعنين يريد التفريق بينهما.
وقد اختلف في الوقت الذي يزول فيه فراش المرأة وتقع فيه الفرقة، فقال مالك والأوزاعي إذا التعن الرجل والمرأة جميعاً وقعت الفرقة، وروي ذلك عن ابن عباس.