للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيمان قد أُودِعا هذه السورة وأكثرُ الخلق عنهما غافلون. وذلك أن العبد مضطرٌّ إلى من يجلبُ المنافعَ لروحِه وقلبِهِ وبدنِه وحواسِّهِ بالرِّزق الذي يتضمن إيصالَ ما به قِوامُها وصلاحُها إليها، ويدفع عنها المضارَّ المُفْسِدة لها المضادَّة لصلاحها وكمالها بالنصر. فهو مضطرٌّ أشدَّ ضرورة إلى مَن لا يزالُ يرزقه وينصره، فإن انقطع رزقه أو نصرُه عنه هلَكَ وفسَدَ. فحقيقٌ بالعبد أن يجعل توجُّهَه ورغبتَه وعبوديَّتَه وخوفَه ورجاءَه وإنابتَهُ وتعلُّقَ قلبِه بمن بيده نصرُه ورزقُه، فإن علَّق ذلك بمن لا يملك له رزقًا ولا نصرًا فهو {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: ٤١].

فمن جعل معبوده مَن لا يملكُ له رزقًا ولا نصرًا خذَلَه أحوجَ ما يكون إليه، وقطع عنه رزْقَه أفقَرَ ما يكونُ إليه. ومن كان الرازقُ الذي بيده النصرُ وحدَه معبودَه ومحبوبَه ومَخُوفَه ومَرْجُوَّه ونهايةَ مطلبِهِ= لم يزل مرزوقًا وإن مسَّه الفقرُ العارضُ أحيانًا، منصورًا ولو لم يكن له من الناس أنصارٌ وأعوانٌ، لا يضُرُّه من استأثر عليه بالدنيا، كما لا يضُرُّه مَن خذَلَه ولا من خالفَه، فكمالُ الرزق والنصرِ بحسب كمالِ التوحيد.

وكلُّ أهل الغرور بالله ليس عندَهم الرزقُ إلا سعةَ المأكْلِ والمشرب والمَلْبسِ والمَنكحِ وأسبابَ ذلك، وليس عندَهم النصرُ إلا الجاهَ الظالمَ الجاهلَ، والدخولَ تحت ظلِّهِ، والعيشَ تحت كَنَفِه، وهيهاتَ! إن لله رزقًا غيرُ هؤلاء عليه، وإنَّ زرقَ صاحبِ التوحيد والمتابعة ونصرَه غيرُ ما يخطُرُ ببالِ هؤلاء أو يدور في خيالهم.