للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا رآك العابدونَ تيقَّنُوا ... حُورَ الجِنانِ لدى النعيمِ الخالدِ (١)

ويسمع الأصوات اللذيذة المحرمة، ويقول: هي عبرة! إلى أمثال (٢) ذلك.

فصل

وأمّا قول القائل: "لا يصلح السماع إلا لمن كانت له نفس ميتة وقلب حي"، فيقال له: أيَّ السماعين تعني؟ سماع الآيات أو سماع الغناء والأبيات؟ فإن أردتَ السماع الأول فهو سماعُ (٣) أحياءِ القلوب، وأمّا أموات القلوب [١٣٤ أ] فلا نصيبَ لهم من هذا السماع، قال: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [النمل: ٨٠]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام: ٣٦]. فجعل الناس في هذا السماع قسمين: أهل استجابة وهم الأحياء، وأموات وهم المعرضون عنه سماعًا وإجابة.

وإن أردتَ السماع الثاني فلا ريب أنه يُحيِي النفس، ويُميت القلب، ولكن أصحابه يَغلَطون، فيظنون أن الذي حيَّ منهم قلوبهم وإنما هو نفوسهم، وآية ذلك أنه لو أُحيي منهم قلوبهم لملأها من حب كلامه وسماعه والإصغاء إليه والاشتغال به وتدبر معانيه، فإن زمن الحياة


(١) البيت لأبي إسحاق الصابي في "يتيمة الدهر" (٢/ ٢٥٩). وسبق ذكره.
(٢) ع: "مثال".
(٣) في الأصل: "السماع".