للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَضِيقُ عن استغراقه بل عن استغراق بعضه، فلا يبقى في القلب الحيِّ متَّسعٌ لغيره أبدًا، وهذا أمر معلوم بالذوق كما قال:

لو كان في قلبي كقَدْر قُلامةٍ ... فضلًا لغيرك ما أتَتْك رسائلِي (١)

فصل

وأما قول القائل: "إن السماع حالٌ يُبدِي الرجوع إلى الأسرار من حيث الإحراق"، فهذا وصف منه لما (٢) يتعقَّبه (٣) السماع من الأحوال الباطنة، وقوة الحرارة والإحراق، وهذا أمر يُحِسُّه المرء ويجده في السماع، ولكن ليس في ذلك ما يقتضي مدحًا ولا ذمًّا ولا إباحة ولا تحريمًا، إذ مثل هذا قدر مشترك بين السماع الكفري والفسقي والإيماني، فعُبَّاد الصلبان والأوثان والنيران والشيطان يجدون في سماعهم مثل هذا، وعُشَّاق المردان والنسوان والأهل والأوطان يجدون مثل هذا وأقوى منه، نعم السماع الذي يختص بالأحوال المختصة بأهل الله وخاصته هو سماع القرآن، فإنه إذا أعقبَ حالًا كانت (٤) مختصةً بالمؤمنين العارفين [١٣٤ ب] بالله لا يَشْرَكهم فيها من سواهم، فلا نجعل (٥) المشترك خاصًّا ولا الخاص مشتركًا.


(١) البيت لجميل بثينة في الأغاني (٨/ ١٠٠، ١١٥) وديوانه (ص ١٨٠).
(٢) "لما" ليست في ع.
(٣) ع: "يعقبه".
(٤) "كانت" ليست في ع.
(٥) ع: "يجعل".