أما قوله عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [العنكبوت: ١٨]، فهذا مِنْ كلامِ إبراهيمَ، ولا إشكالَ في ذَلِكَ؛ لأنه يُوجدُ أُمَمٌ قد سَبقت إبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وأما قوله تعالى:(أَوَلَمْ ترَوْا كيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الخَلْقَ) على قراءةِ التَّاءِ، فلا إشكالَ أنه مِنْ كلامِ إبراهيم؛ لأن إبراهيمَ يُخاطِبُهم ويقولُ هذا الكلامَ، وأما على قراءةِ الياءِ {أَوَلَمْ يَرَوْا} فظَاهِر أنه مِن كلامِ اللَّهِ معتَرَضًا في القصَّةِ.
قوله:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ}[العنكبوت: ٢٤]، هذا جوابٌ شَديدٌ والعِياذُ باللَّه، لكن فيه إشكالٌ من حيثُ الإعرابِ، فلماذا نَصبَ اسمَ (كان) والمعروف أن (كان) تَرفعُ الاسمَ وتنْصِبُ الخبرَ؟
والجواب على هذا: إن قولَهُ: {إِلَّا أَنْ قَالُوا} هو اسم (كان)، وقوله:{جَوَابَ} خبرٌ مُقدَّمٌ لـ (كان)، والتقدير: فما كان جَوابَ قومِه إلا قَولهُم.
وقوله:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا} هذه تُفيدُ الحَصرَ، يعني: ما كان الجوابُ بالاستِسْلامِ ولا كان بالرَّدِّ الجميلِ، ولكن كان -والعياذ باللَّه- بمقامِ التَّهديدِ بالقوَّةِ، وهكذا كلُّ إنسان لا يستطيع ردَّ الحقِّ فإنه يُهدِّدُ بالقوَّةِ إذا كان له قُوَّة على خَصمِهِ، وإن لم يكن له قُوَّة صارَ يتكَلَّمُ بالسَّبِّ والشتْمِ، كما قال فرعونُ لموسَى:{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء: ٢٩]، عندمَا ناظَرَهُ، والمناظَرةُ في سورةِ الشُّعراءِ: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} فسَخِرَ بِهِ: {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ}، الجوابُ:{قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}، ثم رَماهُ بالجُنون:{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}، الجواب:{قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}،