أي: فأنتم المجَانِين في الحقيقةِ، لكن جاء بها بأسلوبٍ واضحٍ مُنطِقِيٍّ، أي: فإن كنتم عُقلاءَ فرَبُّ المشرقِ والمغرب الذي يأتي بالشمسِ مِنَ المشرقِ ويأتي بها مِنَ المغْرب هو اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأخِيرًا لما لم يستطع الإجابة:{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء: ٢٣ - ٢٩].
وقوله:{قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا}[الشعراء: ٢٨]، يُشَبِّهُ قولَ إبراهيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ للَّذِي حآجَّه في اللَّهِ:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}[البقرة: ٢٥٨]، وهنا كانَ الجوابُ:{إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ}، فهو تَهديدٌ بالقُوَّةِ لا بالمنْطِقِ، وهو نَظيرُ ما حصلَ للرُّسُلِ وخُصمائِهم، فهي سِلْسِلةٌ لا تَتَفَّرَّقُ، فقد أُوذِي محمدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قال اللَّه تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال: ٣٠].
فلو قالَ قائلٌ: هنا في هذه الآية قالَ: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ}، وفي آيةٍ أُخْرَى:{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ}[الأنبياء: ٦٨]، والجمعُ بينهما سَهْلٌ، فهنا قال بعضهم: اقتُلُوه، وقال بَعضُهم: حرِّقُوهُ، ثم قرَّ قرارُهُم على التَّحريقِ، واللَّه أعلمُ، ونسألُ اللَّه العافية.
قوله:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ}: (أو) هذه هل هي للتَّخْيِيرِ أو للشكَّ أو للتَّنْويعِ؟
فالجواب: هي للتَّنْويعِ، وليست للشَكِّ؛ لأن كلامَ اللَّه لا يقَعُ فيه الشكُّ لكمالِ عِلمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا للتَّخْيِيرِ؛ لأنه خلافُ ظاهرِ القُرآنِ في سورة الأنبياءِ:{قَالُوا حَرِّقُوهُ}، فكان الرأيُ على التَّحْريقِ.