للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: بلى، لكن يحصُلُ التَّعْذيبُ فيه أكثرُ، ثم -والعياذ باللَّه- لحنُقْهِمْ وشدَّةِ ما في صُدورِهِمْ على إبراهيمَ رأَوْا أنه يُعذَّبُ بالنارِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حكيمٌ، وتَجْري الأمورُ على مُرادِهِ وحِكْمتِهِ، فلَعَلَّهم لو قتَلُوه لما حصلتْ هذه الآيةُ العَظيمةُ، وهي: أن تكونَ النَّارُ بَرْدًا وسلامًا عليه، لكنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَكيمٌ.

قوله: {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} الآيةُ فيها حَذفٌ، والتقديرُ: فحَرِّقُوه فأنجاهُ اللَّه مِنَ النَّار، أي: خلَّصَهُ من النَّار، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [الَّتِي قَذفُوه فيهَا بأَنْ جَعلَها بَرْدًا وسَلامًا]، ونقولُ ذلك لأن اللَّهَ قالَ: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا} فكانت بَرْدًا وسَلامًا، قال أهلُ العِلمِ: لو أنَّ اللَّه جَلَّ وَعَلَا قال: {بَرْدًا} فقط لكانتْ ثَلْجًا عليه، ولكنه قال: {وَسَلَامًا} لأجلِ أن يسْلَم، وفيه أن البَرْدَ يقتُل كَمَا أن الحَّر يقْتل، ولولا أن البردَ يقتُلُ ما احتِيجَ إلى قوله: {وَسَلَامًا}.

قوله: [{إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي: إِنْجائِهِ منْها {لْآيَاتِ}]، اسم إنَّ، واللام للتَّوكيدِ، وكسرتْ هنا لأنها جمعٌ خُتِمَ بألفٍ وتاءٍ، قال ابنُ مالك رَحِمَهُ اللَّهُ (١):

وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا ... يُكْسَرُ فِي الجَرِّ وفِي النَّصْبِ مَعًا

فتُنصبُ بالكسْرةِ، فالآياتُ جمعُ آيةٍ وهي العَلامةُ، والمرادُ هنا الآيات الكونيَّةُ لا الشرعيَّةُ وجمَعَها المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ وبيَّن وجْه الجمعِ فقال: [هِي عَدَمُ تأثِيرِهَا فيه مَع عِظَمِها، وإخمْادِهَا، وإنشاءِ رَوْضٍ مكانَها في زَمنٍ يَسِيرٍ]، هكذا بيَّن المُفَسِّر الآيات، وهي:

أولًا: أنها لم تُؤَثِّرْ مع عِظَمها؛ لأنهم جمَعُوا حَطبًا عظيمًا، وأضْرَمُوا نَارًا عظيمة،


(١) البيت رقم (٤١) من ألفيته.

<<  <   >  >>