للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يحِبُّ الفسادَ، لكن للغايةِ التي سيؤولُ إليها هو حِكْمةٌ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١]، فهذه هي الحكْمةُ، فكونُ أمورِ الخيرِ حِكمةً ظاهرٌ للجَميعِ.

فوجودُ ما فيه الخير للعبادِ حكمتُه ظاهِرةٌ، ووجود ما فيه الشَرُّ للعِبادِ هذا لا يقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلا لحِكمَةٍ، ولهذا قالَ النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ" (١)، فلم يَقُلْ: ليس منك، فالشَرُّ لا يُنْسَبُ إلى اللَّه، لكن كُلُّ ما يقَعُ من خَيرٍ أو شَرٍّ فهو مِنَ اللَّهِ، وهو الذي قَدَّرَهُ، لكن الشَرَّ لا يُقَدِّرُه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إلا لمصلحةٍ أعظمَ منه، وإذا كان لمصلحةٍ أعظمَ منه صارَ حكْمَةً.

ولذلك تجدُ الأبُ الذي هو أرحمُ الخلقِ بابنه، يأتي به إلى الطَّبِيبِ ليُشَقَّ جلْدَهُ فيسيل دَمُه، هذا شَرٌّ؛ لأنه يؤلمُ الصَّبِيَّ، لكنه لمصلحتِهِ، فالعاقبِةُ حميدةٌ، ويأتي به إلى الطَّبيبِ ويقول: احمِ هذه الحديدَةَ على النَّارِ واكْوِهِ بها. والْكَيُّ شرٌّ في حَدِّ ذاته لكن غايَتَهُ حميدَةٌ.

وكذلك في الخِتانِ يأتي بابنه إلى الخاتِنِ ويقولُ له: اقطَعِ جِلْدة من ذَكَرِ ولَدِي، فالموضوع حسَّاس وسيقَطعُ منه جِلْدة، لكنَّ العاقِبَة حَميدَةٌ، فالشَرُّ قد يكونُ خيرًا باعتبار ما يَؤولُ إليه وإن كان هو في حَدِّ ذاتِهِ شَرًّا.

والحكمة أيضًا تكونُ في الشَّرْعِ، فكلُّ ما شَرعَهُ اللَّه فهو لحِكمَةٍ، شرعَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الزَّاني المحصَنِ أن يُرجَمَ بالحجارةِ، ولو قُتلَ بالسَّيفِ لكان أهونَ؛


(١) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (٧٧١).

<<  <   >  >>