للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحكيمُ ليستْ مِنَ الحِكمَةِ فقط؛ لأن الحكيمَ مِنَ الحِكمَةِ بمعنى المتَّقِنِ، ومن الحُكْم أيضًا، وفِعيلٌ كما تقدَّمَ في اسمِ الفاعِلِ تأتي بمعنى الفاعل للمبالَغَةِ، وأمثلِةُ المبالغَة كما قال ابنُ مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (١):

فَعَّالٌ أو مِفْعَالٌ أو فَعُولٌ ... . . . . . . . . . . . .

ثم قال بعدها:

. . . . . . . . . . . . . ... وفي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وفَعِلِ

هذه خمسةٌ، إذن: فَعِيلٌ من حَكَمُ فهو حاكِمٌ، لكن صارت بمعنى حكيمٍ للمبالَغةِ، أو لكونها صِفَةٌ مشبَّهَة، فهي من الحُكْم وهو القضاءِ.

وحُكمُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ينْقَسِمُ إلى قسمين: كَونِيٍّ وشَرْعِيٍّ.

مثال الكونِيِّ ما وردَ في قوله تعالى {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} [يوسف: ٨٠]، فهذا كوْنِيٌّ، ولهذا لم يقل: يحكْم عليَّ، قال: (يحكُمَ لِي)، يعني: يُقَدِّر لي، والحُكْم الشَّرعي مثلُ قولِهِ تعالى في سورةِ الممتَحنَةِ: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: ١٠].

وأما قولُه: {يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} في أوَّلِ سورةِ المائدةِ فيتنَاولُ الأمْرينِ، والحِكمةُ تكون في الشَّرعِ وتكون في القَدَر، وهي مشتَقَّةٌ من الإحْكامِ، بمعنى الإتْقانِ، وتكونُ في الشَّرعِ بمعنى أن جميعَ ما شَرعه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فهو موافق للحِكمَةِ، وتكون في القَدَرِ بمعنى: أن كلَّ ما قدَّرَه اللَّه فهو لحِكمَةٍ، كما في قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، فالفساد من حيث هو فسادٌ وجُودُهُ ليس بحِكمَةٍ؛


(١) الألفية البيتان رقم (٤٣٢، ٤٣٣).

<<  <   >  >>