هذه القِصَّةُ كغَيرِها مِنَ القِصَص تَردُ في القرآنِ الكَريمِ على وُجُوه متَنَوِّعَةٍ، فكيف نجْمعُ بين هذه الوُجوهِ في قصَّةٍ واحِدَةٍ؟
نقول في الجمعِ: إن كان مما يمكن أن يتَكَرَّرُ فإنها تكون قد تكرَّرتْ على الوجهينِ، وإن كان مما لا يُمِكُنُ تكَرُّرِهِ فإن اللَّه تعالى يَحْكِيهَا بالمعنى هذا تارة وبالمعنى هذا تارة.
مثال ذلك: يقولُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذه الآيةِ في قصَّةِ لُوط: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} وفي آية أخرى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} النمل: ٥٤]، فَفِي هذه الآية قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} وفي الآية الأُولَى قال: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} وهذا اختلافٌ، والجمعُ بينها الوجهُ الأَوَّلُ هو تعدُّدُ القولِ، فمرَّةً قال لهم:{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} ومرة قال لهم: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}، وهذا لا إشكالَ فِيهِ.
وكذلك في قصَّةِ فِرعونَ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}[الشعراء: ٣٤]، وفي سورة الأعراف:{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}[الأعراف: ١٠٩]، والجمعُ بينَ الآيتْينِ أن كلَّهُم قالوا ذلك.
فإذا أمكنَ التَّعَدُّدُ سواءٌ مِنَ القائلِ أو بالقولِ حُمِلَ عليه، فإذا لم يمكن التَّعَدُّدُ يكونُ من بابِ نقْلِهِ بالمعنى، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتكَلَّمُ به في كُلِّ موضِعٍ بما يُناسِبُه وبما تقْتَضِيهِ البلاغَةِ.
قوله:{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}، اللام في قولِهِ:{لَتَأْتُونَ} لام التَّوكِيدِ، و (تأتون) بمعنى تَجِيئونَ، والاستفهامُ في قولِهِ:{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} للإنكارِ والتَّوبِيخِ،