للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن المرادَ بالبُشْرى خصوصُ هذه المسألَةِ قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: ٧١]، وعلى هذا فلا نَقولُ: إنَّ المرادَ بالبُشْرى هنا البُشْرى بالولَدَيْنِ وبالعِقابِ؛ لأن ظاهِرَ الآية أن العِقابَ مما بُشِّرَ به إبراهيمُ، وأيضًا لأن (ال) في قولِهِ: [البُشرى] عَهْدِيَّةٌ، أي: البُشْرَى المعْهُودَةُ.

قوله: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} هذه الجُمْلَةُ مؤكِّدَةٌ، و {مُهْلِكُو} خبر (إن) وحُذِفَتِ النون من أجلِ الإضَافَةِ.

وقَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} أي: قَرْيَةُ لُوطٍ]: لقولِهِ: {هَذِهِ} فالإشارَةُ للتَّعْيينِ، وكأن القَريةَ قريبةٌ مِنْ إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ ولهذا أشارَ إليها باسمِ إشارَةٍ للقَريبِ، وهو (هذه).

والقرية تُطْلَقُ على مكانِ القومِ ومساكِنِهم، وتُطْلَقُ على نفسِ القَومِ الساكِنِينَ، وجاءت في القرآن مُرادًا بها هذا وهذا، والذي يُعَيِّنُ أحدَ المعْنَيْينِ السياقُ، مثلُ ذلك قولُه تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: ٢٥٩]، فالمرادُ بالقريةِ في هذه الآية مكانُ القَرْيَةِ، وأما قولُه تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [الحج: ٤٨]، فالمرادُ أهلُهَا.

وعلى هذا فيكونُ قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢]، ليس فيه مجازٌ بل المرادُ أهْلُها؛ لأن السؤالَ لا يتَوَجَّه إلا إلى عاقلٍ يُدْرِكُ ويُجِيبُ، فيكون قوله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} المراد بالقَرْيَةِ هنا المكان لأنه قالَ: {أَهْلِ}.

واعلَمْ أن القريةَ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ تَشملُ حتى أكبرَ المدُنِ، فمكَّةُ سمَّاها اللَّه قَريةً، وما هو أعظَمُ من مكَّة سَمَّاهُ اللَّهُ كذلك قَريَةً، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد: ١٣]، وأما القريةُ

<<  <   >  >>